الأحد، 22 يناير 2012

قصّة قد تبدو قصيرة - الجزء الأوّل

[مؤثّرات صوتيّة]
Moonlight Sonata by Beethoven on Grooveshark

---------------------

لكم أنوِ أن أكتب القصّة على هذا الشّكل، أو هكذا تراءى لي، لكنّ القدر لعب لعبته ..




انهارت بعد دفعته على الفراش، مغلقة عينيها بشدّة في محاولة لحبس دموعها، تعضّ شفتها السّفلى و هي تتمنّى لو تبتلعها الأرض و تريحها من هذا العذاب، تسقط في فراغ مظلم من اليأس، لا شيء تستطيع التشبّث به، تسمع صوته يغلق سرواله و يخطو نحو الباب، تريد أن تقوى على القيام و طعنه بسكّين من الخلف، لكنّها لا تحرّك ساكنا، صوت اغلاق الباب خلفه كان كإشارة البداية لليلة أخرى من البكاء، تنهمر العبرات على خدّيها بصمت و تغرس رأسها فالوسادة لعلّ ذلك يريحها، لكن بدون جدوى، و تغوص في دوّامة من البكاء الحارق و شهقات خافتة من حين لآخر، ككلّ ليلة منذ سنوات، رغم انّها لم تتزوّج به الا منذ مدّة أطول بقليل، مازالت في مقتبل العمر، لكنّ عينها تحملان نظرة بها حزن و جراح و عذاب عشرات السّنين، و لم تشعر بنفسها كيف و لا متى نامت، لعلّ نومها يخفّف آلامها ...

انتفضت من النوم فزعة، وجهها يتصبّب عرقا، كابوس آخر تلطّخت فيه يداها بالدماء، ألقت نظرة على الساعة، لا تزال الثالثة صباحا، قامت مسرعة الى غرفة ابنها، و في طريقها رأت ضوء غرفة المكتب مضاء، انّه يمضي لياليه منكبّا على حاسوبه، لقد كرهته هو و حاسوبه اللذان لا يتفارقان، ودّت لو انّها حطّمته الى ألف قطعة و قطعة، لكنّها تعرف انّ عقابها قد يكون الموت، أكملت طريقها و دخلت غرقة ابنها، طفل صغير ذو خمس سنوات راقد في فراشه، عدّلت غطائه و تأمّلت في وجهه الملائكي، و قبّلته بخفّة على خدّه، و انهمرت دموعها مرّة أخرى بغزارة، سارعت بمغادرة الغرفة و اغلاق الباب، طفلها هو الشيء الوحيد الذي يجعلها صابرة على هاته الحياة، هو نورها الوحيد في سرداب حياتها المظلمة، و عادت الى غرفة النوم، استلقت في فراشها تتأمّل في السّقف، تسترجع ذكريات ليست ببعيدة، لكنّها تبدو لها كأنّها خارجة من أعماق كهف سحيق ...

الطّقس شتويّ كئيب، و صوت الرّياح يحمل معه حفيف مَلَك الموت .. لم تسمع كلّ ذلك أو تدركه، بل لم تكن تعرف كم مضى عليها من الوقت و هي غائبة عن هذا العالم السّفلي، فقط صداع أحسّت به عندما استعادت ادراكها بما حولها، فتحت عينيها لترى ضوءًا خافتا قادما من النّافذة، لكنّها انتبهت فجأة أنّها ليست في غرفتها، حيرة مفاجأة غمرتها و جعلتها ترفع رأسها في حركة حادّة، لكنّ تلك الحركة كلّفتها ما لم  تتوقّعه، وقعت مرّة أخرى في دوّامة ابتلعت الزّمان و المكان، و استيقظت مرّة أخرى، هذه المرّة كان الصّداع أخفّ، و سمعت صوت شخص يتحرّك بجانب الفراش، التفتت و فتحت عينيها، كانت سيّدة ترتدي ميدعة بيضاء، تلك الطبيّة منها، الآن استوعبت انّها بغرفة في ما يبدو عليه أنّه مستشفى، لا بل هو مستشفى خاصّ لما تبدو عليه الغرفة من الرّفاهة و النّظافة، تنحنحت قليلا، فالتفتت اليها السيّدة، و حيّتها بابسامة ودودة و قالت :
- لقد استيقظت أخيرا
بدت الحيرة على وجه حنين - و حنين هو اسم بطلتنا - و آلاف الأسئلة في عينيها، خاصّة بعد ما لاحظت الأوجاع في جانبها، لكنّها لم تستطع أن تبنس ببنت شفة،فهمت السيّدة ذات الميدعة البيضاء حيرتها :
- الحمد للّه على سلامتك، فقد مضى على غيابك عن الوعي 3 ايّام، قضّيت منهما يومين فالعناية المركّزة.
يبدو أنّ ابتسامة المرأة الودودة لم تنجح في مهمّتها بعد ان امتقع وجه حنين، عناية مركّزة و 3 ايّام غائبة عن الوعي، انّ وقع هذه الكلام لا يهبط بردا و سلاما على قلب أيّ منّا، فاستجمعت قوّتها و قالت بصوت متحشرج :
- و ما الّذي أتى بي الى هنا ؟
- انّ الانفعال ليس بجيّد لحالتك الآن، فقط يجب أن تسترخي و كلّ شيء سيكون على ما يرام.
عقّبت السيّدة ذات الرّداء الأبيض بعد أن ألقت نظرة على شاشة بها مؤشّرات حنين الحياتيّة، تلك الشاشة الّتي تختزل حياة البشر في بضع أرقام، و لكأنّ الكائن البشريّ مجرّد شخصيّة في لعبة رقميّة ، و أكملت السيّدة ما كانت تفعله و همّت بالخروج، لكن استوقفها سؤال لم تكن تتوقّعه :
- و ابني؟ ماذا عن ابني ؟ أين هو ؟
التفتت لتجد أنّ حنين تحاول الاعتدال في فراشها، و الأرقام على الشاشة بجانبها تشير ال أنّها تبذل جهدا لا تسمح به طاقتها الحياتيّة في حالتها هذه، فسارعت نحوها و أرجعتها لمكانها بحركة خفيفة، و قالت لها :

- لا تخشيْ شيء يا سيّدتي، فابنك بخير، فقط يجب عليك أن تسترخي لألاّ يفقد أمّه.
هي في حقيقة الأمر لم تكن تعرف ابنها أو مصيره في تلك اللّحظات، لكنّ كلماتها أدّت مفعولها، فقد استلقت حنين و هدأت قليلا، بالرّغم من العاصفة الّتي تعصف بأفكارها، مصحوبة بصداع شديد، وودّعت السيّدة الى خارج الغرفة بنظرة ذابلة، و أغمضت عينيها محاولة استرجاع صفاء تفكيرها، و هوت مجدّدا في العدم ..


--------------------


الجزء الثّاني : اضغط هنا








Eof.