الأربعاء، 13 نوفمبر 2013

الليْل و الخيْل

[مؤثرات صوتية]

لا أعلم لما اخترت هذا العنوان لهذه التدوينة، فهي لا ترتبط يقريب و لا من بعيد ببيْت المتنبي الشهير الذي لا أعرف غيره من شعره، كأغلب من يعرفونه. و اللوم كلْ اللوْم ينصبْ على كسلي اللا محدود.  فأنا لا أحبذ الشعر الحديث، بل أفضل عليه شعر الأولين تفضيلا. بيت شعْر من معلقة عنترة ابن شداد يكفي ليصف و يغرف في وصف ما قد تعجز عنه 5 دقائق لفيلم من إخراج تيم بورتون Tim Burton و تمثيل جوني داب Johnny Depp.
إني اليوم أكتب لا لشيء إلا لأكتب .. فأنا لا أعرف ما أصابني، ولا ماذا أريد، و لا سبب بقائي مستيقظا لهذه الساعة و نحن في منتصف الأسبوع. فقط أنا و قليل من الفنْ في الخلفية كمثل موسيقى المؤثرات و أمامي بحر الانترنات أهيم على وجهي فيها. أنسى نفسي و انتقل ن مكان إلى آخر بدون هدف معيْن، كمثل كتابتي الآن لهذه التدوينة. الانترنات .. لولاها لكانت الحياة قفصا مغلقا لا حرية فيه، فأنت سوف تقرأ و تشاهد ما سوف يسمحون لك به، فقط لا غيْر. و سوفْ تستمع الى مبتذل الفنْ و منحطه في إذاعاتهم الحقيرة الرخيصة الاستهلاكية. و لسوْف يجعلك ذلك شخصا بليدا مستهلكا مستعبدا .. فطوبى للهائمين الذين يعرفون من الانترنات غير الفايسبوك. إنها لثورة عظيمة شبيهة باختراع الطباعة و انتشار الكتب و الوريثة الشرعية لهم. انك تستطيع أن تستمع لما تشاء و تعبر عن رأيك كما تشاء و تبحث في الكتب الممنوع بيعها في مكتبتك المفضلة، بل انها لتحررك من استغلال الناشرين للقراء. فليذهبوا همْ و قوانينهم و قيودهم إلى الجحيم. إن الفكر وُجد ليمتلكه الجميع، و ليس فقط لمن يمتلك المال. لأن الأفكار لا تنتفي في ذاتها عندما يؤخذها أحدهم، فلوْ كانت لديك فكرة، و تبادلتها مع شخص آخر، لأصبح لكلْ منكما فكرتين. فأنت بذلك لم تحرم غيرك، بل الجميع مستفيدون. إن أولئك الذين يريدون استغلال كل شيْ جعلوا من ذلك سوءا تستغفر عند اقترافه. جعلوا على ذلك قيدا. يريدون أن ينزعوا منا مهربنا الوحيد من الدنيا القاسية. فنحن لا نهرب لا بالمخدرات ولا بالمسكرات، مهربنا كتاب رائع و فنْ جميل و إبحار حرْ لا قيْد عليه. لم نطلب الكثير على ما أطنْ .. لكنهم يستكثرون علينا كلْ شيْ، يستكثرون علينا الهواء الّذي نستنشقه .. أنهم يريدون المال، لا الانسان .. لا أدري أي منطق يجعل أحدهم يحب شَيْئًا لنفسه و ينكره على أخيه، و يريد للآخرين ما لا يريده لكيانه. ما الذي يجعله سعيدا بشقاء الآخرين ؟ أهي سادية في نفسه أم طمع أعماه أم استكبار على الآخرين و اعتبارهم قوما أدنى شأنا ؟
لا أعلم صراحة، فهذه أمور تتجاوزني .. كما لا أعلم لماذا كتبت هذه السطور، لكنها كتبت و انتهت. لعلي أرجع هنا لكتابة غيرها، فهذا الطقس المغيْم المكفهرْ ملائم لمثل هذه الأنشطة ..

"الخيل و الليل و البيداء تعرفني ** و السيف و الرمح و القرطاس و القلم"

السبت، 18 أغسطس 2012

الإلهام و أزمة الأقلام

[مؤثرات صوتية]


La Tristesse Du Roi by Andy Sheppard on Grooveshark
----------------------------
قد مرّ زمن منذ آخر كتاباتي في هذه المدونة، لذا قرّرت أن أكتب لماذا لم أكتب لعلّي أجد حلاّ لعدم كتابتي.

منذ إنتهاء فترة الامتحانات الخانقة و أنا لم أزر هذا المكان. لقد نسيته، أو بالأحرى تناسيْته، فقد ضاعت في غياهب تصحّر ذهني تلك الرغبة فالكتابة. لم تغب عنّي الأفكار، فتلافيف مخّي لا تكفّ عن التدافع و إنتاج الأفكار و هدمها لتبني على أنقاضها أفكارا أفضل في تسارع لولوبيّ متصاعد، لكن القلم جفّ بدون سبب.
لا أعرف هلْ الرغبة في الابتعاد عن الدراسة هي التي كانت تدفعني لاضاعة الوقت في الكتابة، أم هو ابتعادي عن أخبار الوطن المؤلمة و هذيان مواطنيه المحموم و تدافعهم الإجتماعي الذي يحدث ضجيجا لا يدع الرأس ترتاح.
أو هو الإطلاع على مآسي العالم و رؤية من يرفل في الذهب يرفع عكازه المرصع بالألماس ليدعونا أن نعاون اخواننا في مجاعات افريقيا .. مشهد يجعلك تُهدِر دم تفاؤلك في هذه البشرية و تقوم بشنق ذلك التفاؤل في ساحة قلبك العامّة عقابا له لما اقترفه من بهتان في حق الإنسان.
أو هو طريقة عيشنا و قيم مجتمعاتنا الإستهلاكية الرخيصة التي تريد من جعلي كائنا مستهلكا يُنتج فقط ما يُطلب منه انتاجُه بعيدا عن التفكير في مسائل قد تقضّ عرش الأسياد.
أو هو الامتعاض من الأصوات المنادية بغلق أفواه الآخرين، تلك الأصوات التي تمتلك الحقيقة المطلقة و لا يحق لأحد غيرها أن يقول عكس ما تقول، ما يجلعك تختار الصّمت لأن بعض القلوب قد خُتم عليها و لا فائدة مما تكتب.
أو هي تلك النفس الراكدة التي تريد أن تبقى في حالة الطّاقة الدُّنيا.
أو هو خليط من تلك الأشياء كلّها ...

لقد استغرق مني كتابه هذه الكلمات المقتضبة عدّة ساعات، لعل ذلك يساعدني على تجاوز العقبة و الكتابة من جديد، هو و الموسيقى الراقية التي تُحزن الملوك و تُنسي العبيد همومهم.










EoF.

الثلاثاء، 12 يونيو 2012

الكوكب الأمّ : فيلم وثائقي

الدّار Home هو فيلم وثائقي يتحدّث عن البصمة التي تركها حضور الانسان في هذا الكوكب على توازنه الطّبيعي. هذا الانسان الضّعيف  الهشّ الّذي لا يملك من قوّة الا عقله و تفكيره، أمكنه من امتلاك الأرض بما عليه و تسخير مخلوقاتها و مواردها لفائدته. لكنّ جشعه و رغبته في المزيد جعلاه لا يلتفت الى عواقب أفعاله على مرّ القرون، الّتي تسارعت منذ اكتشافه للذّهب الأسود. اذ صنع نظاما حيث يمتلك فيه  2% من السكّان 40% من الثّروة، حيث يموت الآلاف في اليوم جوعا و يمرض آلاف بالسّمنة في الطّرف الآخر، حيث يعيش أفقر العباد في أغنى الدّول مواردا.

أترككم لمتابعة البقيّة فالفيلم (3 لغات) :





ملاحظة : الفيلم موضوع للمشاهدة المجانيّة و النّشر.












EoF.

الاثنين، 11 يونيو 2012

المادة و الرّوح : ردود و شروح

[مؤثرات صوتيّة] 


Dorset Perception by Shpongle on Grooveshark
------------------------------

ملاحظة : المعلومات الّتي سَتَلِي هي ردود فقط لما قرأت، و ليست لكلّ ما يتعلّق بالموضوع. و هذه الرّدود تحتمل الخطأ أكثر من الصّواب، فأنا لا أدّعي امتلاك الحقيقة المطلقة، بل هي محاولة بسيطة لابداء الرّأي.

-------------------------------

اعترضني في بعض ما اعترضني، خطاب أحدهم عن المادّة و وجود المادّة و أنّه لا وجود لغير المادّة، و أنّ فكرة الروح و الأديان هي مجرّد أفكار بشريّة وليدة الضّروف الماديّة و التاريخيّة.

بدءً ببادئ، فانّ بدئ المادّة كان مع الانفجار الأكبر The Big Bang، و يقول ستيفن هاوْكينق Steven Hawkin بهذا الشّأن أنّه من الجدل أن يسأل أحدهم "ماذا كان قبل ذلك الحدث الّذي أنتج هذا الكون المادّي ؟" فمفهوم القبليّة و البعديّة مرتبط بالزّمن، الزّمن الّذي هو مولود مع الكون في تلك اللّحظة، اذا ف"قبل تلك اللّحظة" لا يعني شيءً. كلام جميل اذا كان أحدهم يعتقد انّ المادّة فقط هي الموجودة، و لا وجود لعالم غير مادّي لا يخضع لقواعد كوننا الّذي نعيش فيه.
ثمّ تطوّرت المادّة لتنتج أشكال الحياة المختلفة، وصولا الى الكائن الذكيّ الّذي نعرفه الآن و هو الانسان. هذا الانسان الّذي هو مادّة مفكّرة تصنع دوّامة الحتميّة التّاريخيّة لتدخل تحت وطئتها. و من هذا المنطلق فانّه من العبث أن تنتج المادّة فكرة لشيء ما خارج المادّة.  مثل أفكار وجود الرّوح أو خلق المادّة، فهذه الأفكار نتيجة للمادّة فقط و لا وجود لها. و يستدلّ بذلك أن المادّة لا تَخلق أيّ شيء من عدم، بل ذلك نِتاج للتجربة، و أنّ التجربة فقط هي مصدرنا للمعرفة. التجربة يمكن أن تكون حسّية أو فكريّة (مثل جمع معلومات و الخروج بتحليل أو استنتاج). فمثلا لا يمكن لشخص أعمى منذ الولادة أن يُنتج فكره وحده ماهيّة الألوان بدون أن يكون قد جرّب تلك الألوان.

لكن اذا وُلدنا كلّنا منذ أوّل انسان بدون حاسّة البصر، فانّه حسب منطق التّجربة المادّية فلن يستطيع أيّ انسان الوصول الى فكرة الألوان. و مثله مثل فكرة الرّوح أو الإلاه، فلوْ كانت تلك الأشياء الغير ماديّة و الغير خاضعة للتجربة غير موجودة، فكيف أمكن للفكر البشري الوصول لخلق تلك الأفكار ؟ فالأشياء الغير مادّية لا تدركها الاّ أشياء غير ماديّة. في حالتنا الرّوح أنتجت فكرة وجود الرّوح، لأنّ الرّوح تساهم في التّجربة الفكريّة للشّخص. و اذا أردنا اثبات ذلك بمنطق رياضيّ بحت، نضع نسلّمة axiome وجود الرّوح (مسلّمة لأنّه لا يمكن تجربة ذلك مادّيا) ثمّ نختبر ما ينجرّ عن هذه المسلّمة في العالم المادّي، فاذا وجدنا تعارضا في النتائج مع المسلّمة فانّها خاطئة. لكن ما ينجرّ عن وجود الرّوح مثل الحياة و الموت، الأفكار النابعة من تجارب غير ماديّة، الاختيارات المتعارضة مع وجود المادّة (مثل اختيار الموت) دالّة عليها كما تدلّ الاشعاعات ذات التردّد المعيّن على وجود الالكترون في نموذج الذرّة.

اذا أثبتنا وجود الرّوح فإنّ الاحتمالات تنفتح على مصراعيها لاثبات موجودات أخرى غير ماديّة، بل هي من خلقت المادّة مثل الله.














EoF.

الثلاثاء، 22 مايو 2012

الطّفل بائع الورود

مؤثّرات صوتيّة


---------------


يَرَى الطّفلَ ذي الخمس سنوات يرتجف في الزمهرير واقفا بجانب علامة المرور يبيع الورود، ثمّ يخرج هاتفه "الآبّل" و يتّصل بمدير أعماله يخبره أن يحضر حاليّا الى استوديو التّسجيل، و يشير الى سائق مرسيديسه المتواضعة أن يذهب به الى المكان المنشود، هناك أين يروي لأفراد فرقته كيف أن مشهد الطّفل قد آلم قلبه الرّقيق، هو الفنّان الحسّاس المدافع عن القضايا النّبيلة بفنّه العميق، و يسجّلون أغنية عن الأطفال المحرومين، و تتخاطفها الاذاعات و يسمعها الملايين، و يشربون نخب الايرادات الّتي حقّقتها تلك الأغنية و انتشارها بين النّاس، و ينتقل للسّكن في فيلا تحتوي على مسبح مرصّع بالألماس
، و في الطّريق يرى نفس الطّفل واقفا بجانب نفس المكان، يدقّ على شبّاك سيّارة واقفة يقودها انسان، لا يسمعه سائقها لأنّ صوت الرّاديو يصدح بتلك الأغنية و لا يراه، أم هي قلوبهم لا تُبصر (الاّ ما عَدَاه) ..










EoF.

الخميس، 17 مايو 2012

القرآن الكريم، عن طريق برنامج آيات

سورة الفاتحة
Surat Al-Fatiha by Maher al-Muaiqly on Grooveshark


-----------------


السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الحمد لله نستعينه، و نستغفره، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا، و من سيّئات أعمالنا. من يهد الله فلا مضلّ له، و من يضلل فلا هادي له، و من شاء أن يهتدي هداه الله بمشيئته و رحمته الواسعة. و نشهد أن لا الاه الاّ الله وحده لا شريك له، و أنّ محمّدا عبده و رسوله - صلّى الله عليه و سلّم تسليما.

أمّا بعد،

فقد اعترضني أثناء بحثي عن نسخة رقميّة للمصحف العثماني (مصحف سيّدنا عثمان رضي الله عنه، من يستطيع منكم أن يمدّني برابط أو نسخة مطبوعة جَزاه الله كلّ خير، إذ لم أتمكّن من العثور على ضالّتي) موقع يحتوي على برنامج فلاش للقرآن الكريم. بالطّبع لم يجلبني ذلك فقط، بل للخصائص المتعدّدة المرافقة له، الّتي سأعدّدها هنا فقد تكون مفيدة لأحدكم.

أوّلا، البرنامج متوفّر في نسختين : نسخة شبكيّة online (موقع فلاش) و نسخة مكتبيّة offline لا تحتاج الى الارتباط بالشّبكة، و كلاهما يحوي نفس الخصائص. أنا فضّلت النّسخة المكتبيّة لأحتفظ بجميع المعطيات على حاسوبي. أيضا النّسخة المكتبيّة تدعم أهمّ أنظمة التشغيل من لينوكس Linux و ويندوس Windows و ماك MacOS.

ثانيا، يحتوي البرنامج على عدّة تفاسير للقرآن، فإن استعصت على القارئ كلمة أو معنى آية، فله أن يتحرّى تفسيرها من كتاب التفسير الّذي يختاره بدون الحاجة الى البحث الطّويل، فقط ضغطة زرّ تفتح أمامك تفسير الآية الّتي أنت بصدد قراءتها، شيء قد يعين الكثيرين على التمعّن في معاني القرآن عوض الاكتفاء بالقراءة فقط. أمّا عن التفاسير الّتي يحتويها فهي تفاسير ابن كثير، القرطبي، السّعدي، الطّبري، البغوي، اعراب القرآن-الدعاس و التّفسير الميسّر(يظهر بشكل تلقائي على يسار صفحة القرآن).

ثالثا، و هي أكثر ما شدّني شخصيّا، خاصيّة توفّر تلاوة القرآن الكريم بأصوات عديد القرّاء. فعلى سبيل الذّكر لا الحصر نجد مشاري العفّاسي، الحذيفي، عبد الباسط، عبد الرّحمن السّديس ... و غيرهم، مع امكانيّة قراءة ذات جودة متوسّطة لمن لا يملك سعة انترنات عالية. و الشّيء الجميل أنّ الآيات الّتي تمّ تنزيلها، بالطّبع في النّسخة المكتبيّة، تبقى متوافرة، دون الحاجة إلى إعادة تنزيلها.

رابعا، البحث فالقرآن كامل عن كلمة معيّنة. خاصيّة قد تفيد كثيرا اذا نسي الشّخص آية قد يتذكّر منها كلمة أو بعض كلمات أو أراد البحث عن آيات تحتوي على كلمة تخصّ موضوعا معيّنا.

هناك أيضا خاصّيّات أخرى أقلّ أهميّة، مثل ترجمة معاني القرآن إلى عدّة لغات، أو قرائة القرآن فقط على كامل الشّاشة، أو شبه تمرين على حفظ القرآن.

و هذه صورة لواجهة البرنامج : (اضغط على الصّورة لتكبيرها)



و أخيرا رابط الموقع (تستطيع تجربته قبل تنزيله) : موقع برنامج آيات

و رابط تنزيل البرنامج على الحاسوب : برنامح آيات

تستطيعون انزال البرنامج مع تلاوة لأحد القرّاء أو النّسخة القياسيّة بدون تلاوات، من ثمّ تحميل التّلاوات أثناء القراءة المباشرة أو من خلال خاصيّة التّحميل الّتي تتحمّل المتابعة عند الخروج من البرنامج و الرّجوع اليه. و هناك فالرّابط أعلاه التعريف بالفرق بين النّسخ.

و أرجو أن يعينكم هذا البرنامج على التدبّر في القرآن ^^













EoF.


الاثنين، 23 أبريل 2012

قصّة قد تبدو قصيرة - الجزء الثّاني

الجزء الأوّل : اضغط هنا

---------------------

[مؤثّرات صوتيّة]
Naruto Main Theme by Naruto on Grooveshark


---------------------

أين تذهب الرّوح عندما ننام أو نفقد الوعي ؟ 
هناك من يقول بعدم وجود الرّوح أصلا، بل نحن جسد ماديّ فقط، لكن لو كنّا جسدا فقط لما ضحّى به أحد، فنحن البشر نلقي بذلك الجسد البالي في سبيل الكرامة، الشّرف، الحريّة، القيم، المبادئ .. او حتّى المَلل، انّنا قد لا نرى الرّوح، لكنّنا نستطيع رؤية تجلّياتها، كما يقيس الفيزيائيّون آثار الالكترون الّذي لا نراه و لا نعرف ما هو و ان كان مادّة موجودة حقّا أم لا ..
و هناك من يقول انّها تذهب للتنزّه في عالم خاصّ بالأرواح، في برزخ أو في عالم ما بعد الموت، لكن عندما يستفيق الجسد فجأة فانّ استعادته لوعيه تكون آنيّة، فهو لا ينتظر الرّوح لتعود من جولتها الا اذا كان له امكانيّة استدعائها آنيّا، ربّما لو درس علماء الاعصاب نشاط المخّ عند الاستيقاظ لوجدوا منطقة فيه تقوم بهذه الوظيفة ..
لكن في اعتقادي أنّ الجسد و الرّوح ملتحمان لا يفصلهما الاّ الموت، و انّ الجسد هو ما يسمح للرّوح بالتواصل مع هذا العالم، لذا عندما ينام الجسد و ينحسر نشاطه الذّهني، فانّ الروح لا تتلقّى ايّ معلومات عن العالم الخارجي، حتّى الوقت تنتفي ماهيّته بالنّسبة لها، هو العدم أو دوّامة تبتلع المكان و الزّمان أو ما شابه .. و عندما يحلم الجسد فهي تحسّه واقعا ..

***********


تسلّل الصّوت عبر الاذن، صوت هادئ ينادي باسمه، التفت و فتح عينيه ليجد جدّته واقفة بجواره، ابتسمت في وجهه قائلة :
- صباح الخير يا حبيبي، انهض فلقد تأخّرت في النّوم، و امّك اتّصلت بنا و قالت انّها اليوم سوف تخرج من المستشفى.
جذبت انتبهاه العبارات الأخيرة، فهو لم يرَ امّه منذ ايّام، لا يعرف لمَ، كلّ ما يعرفه انّ اباه أيقظه من النّوم و الدّنيا لا تزال ظلاما ليخبره انّ جدّه سيأتيه بعد ساعات ليصطحبه معه، و عليه أن يفتح له الباب، و جاء جدّه كما أخبره أبوه و حمله معه، و هو منذ ايّام هنا لا يدري أين والداه، و عندما يسأل جدّته، تبعد هذه الأخيرة عينيها و تقول بأنّهما سيأتيان قريبا ..
- المستشفى ؟ ماذا أصابها ؟
قالها في لهجة حائرة
- لا أدري يا صغيري، سوف تخبرنا بذلك عندما تأتي .. افطارك ينتظرك
عرف انّ لا فائدة من طرح الأسئلة، دخل الى الحمّام، أكل افطاره، ثمّ فتح التلفاز، هو لا يدري لماذا تصرّ جدّته أن تضع له قناة تبثّ صورا متحرّكة ركيكة مجعولة فقط كاشهار لبيع تلك اللّعب التّي يقومون ببثّ اشهاراتها بين جزئيْ الحلقة، هكذا قال له والده و أخبره بانّه هناك ما أفضل من هذه السّلع الرّخيصة، الآنيمي Anime، منذ ذلك اليوم يضع والده في حاسوبه الخاصّ كلّ أسبوع حلقة الّتي يترجمها له شخصيّا للعربيّة، لقد غرست فيه الآنيمي أشياء كثيرة عن معاني الصّداقة، الوفاء، الخير، الشرّ، العزيمة .. لذلك كان يُفضّل أن يشاهد القنوات الوثائقيّة عندما يفتح التّلفاز بدل هذه الرّسوم الرّخيصة، لقد تعلّم الكثير من هذه القنوات بالرّغم من أنّه لم يكن يفهم كلّ شيء، كان يحبّ ما يسمّيه الكبار علوما، كان يقوم بتجاربه الصّغيرة وحده، و كانت أمّه تنفعل عنما يكسر شيئا أو يلطّخ نفسه، هي دائمة الانفعال على كلّ حال، لكنّ التجارب كانت أهمّ و تستحقّ العناء ..
جاء جدّه بعد انتظار ليس بطويل و معه أمّه، هرول نحوها و ارتمى في حضنها، هو لم يتعوّد الابتعاد عنها، رفعته عاليا و ضمّته بكلّ حنان، رآها تبكي، هي أيضا لا تحتمل بُعده عنها فهو كلّ شيء في حياتها، ثمّ حملته و جلسوا فالصّالون، بقي يستمع لحوارهم، أمّه لا تعرف الكثير أيضا، فقط قالت أنّهم أخبروها في المصحّة بأنّها أجرت عمليّة على كُلْيَتِها، هي الثّانية فالاولى قد اُنتُزعت منذ ثلاث سنوات، و أنّ المتبرّع مجهول، أمّا العمليّة فقد تكفّل زوجها بدفع تكاليفها هي و الاقامة و العلاج، زوجها الّذي لا تعرف أين هو الآن، ربّما كان فالمنزل كعادته فهي هَرعت الى هنا لرؤية قرّة عينها أوّلا ..
أوصلهم جدّه الى المنزل، هو لم يكن يأتِ الى منزلهم، لا يعرف الصّغير الأسباب، لكنّ أباه كان يحملهم مرّة فالأسبوعين لقضاء نصف يوم في منزل جدّه، دون أن يبقى معهم، وصلوا الى باب الدّار، أنزلهم الجدّ و ذهب في حال سبيله، دلفا الى المنزل الّذي كان مظلما بشكل يبعث على الرّيبة في ذلك الوقت من النّهار، رائحة الرّطوبة تعبق من الحيطان كأنّ البيت لم يُفتح منذ مدّة، نادت أمّه على أبيه لكن لا إجابة، بحثت عنه في أرجاء المنزل لكنّها لم تجده، بقيت غرفة مكتبه الّتي لا يسمح لأحد بدخولها، رأها تقف أمامها لكنّها لا تجرأ على الدّخول، ثمّ تمدّ يدها نحو المزلج ..














EoF.