الاثنين، 23 أبريل 2012

قصّة قد تبدو قصيرة - الجزء الثّاني

الجزء الأوّل : اضغط هنا

---------------------

[مؤثّرات صوتيّة]
Naruto Main Theme by Naruto on Grooveshark


---------------------

أين تذهب الرّوح عندما ننام أو نفقد الوعي ؟ 
هناك من يقول بعدم وجود الرّوح أصلا، بل نحن جسد ماديّ فقط، لكن لو كنّا جسدا فقط لما ضحّى به أحد، فنحن البشر نلقي بذلك الجسد البالي في سبيل الكرامة، الشّرف، الحريّة، القيم، المبادئ .. او حتّى المَلل، انّنا قد لا نرى الرّوح، لكنّنا نستطيع رؤية تجلّياتها، كما يقيس الفيزيائيّون آثار الالكترون الّذي لا نراه و لا نعرف ما هو و ان كان مادّة موجودة حقّا أم لا ..
و هناك من يقول انّها تذهب للتنزّه في عالم خاصّ بالأرواح، في برزخ أو في عالم ما بعد الموت، لكن عندما يستفيق الجسد فجأة فانّ استعادته لوعيه تكون آنيّة، فهو لا ينتظر الرّوح لتعود من جولتها الا اذا كان له امكانيّة استدعائها آنيّا، ربّما لو درس علماء الاعصاب نشاط المخّ عند الاستيقاظ لوجدوا منطقة فيه تقوم بهذه الوظيفة ..
لكن في اعتقادي أنّ الجسد و الرّوح ملتحمان لا يفصلهما الاّ الموت، و انّ الجسد هو ما يسمح للرّوح بالتواصل مع هذا العالم، لذا عندما ينام الجسد و ينحسر نشاطه الذّهني، فانّ الروح لا تتلقّى ايّ معلومات عن العالم الخارجي، حتّى الوقت تنتفي ماهيّته بالنّسبة لها، هو العدم أو دوّامة تبتلع المكان و الزّمان أو ما شابه .. و عندما يحلم الجسد فهي تحسّه واقعا ..

***********


تسلّل الصّوت عبر الاذن، صوت هادئ ينادي باسمه، التفت و فتح عينيه ليجد جدّته واقفة بجواره، ابتسمت في وجهه قائلة :
- صباح الخير يا حبيبي، انهض فلقد تأخّرت في النّوم، و امّك اتّصلت بنا و قالت انّها اليوم سوف تخرج من المستشفى.
جذبت انتبهاه العبارات الأخيرة، فهو لم يرَ امّه منذ ايّام، لا يعرف لمَ، كلّ ما يعرفه انّ اباه أيقظه من النّوم و الدّنيا لا تزال ظلاما ليخبره انّ جدّه سيأتيه بعد ساعات ليصطحبه معه، و عليه أن يفتح له الباب، و جاء جدّه كما أخبره أبوه و حمله معه، و هو منذ ايّام هنا لا يدري أين والداه، و عندما يسأل جدّته، تبعد هذه الأخيرة عينيها و تقول بأنّهما سيأتيان قريبا ..
- المستشفى ؟ ماذا أصابها ؟
قالها في لهجة حائرة
- لا أدري يا صغيري، سوف تخبرنا بذلك عندما تأتي .. افطارك ينتظرك
عرف انّ لا فائدة من طرح الأسئلة، دخل الى الحمّام، أكل افطاره، ثمّ فتح التلفاز، هو لا يدري لماذا تصرّ جدّته أن تضع له قناة تبثّ صورا متحرّكة ركيكة مجعولة فقط كاشهار لبيع تلك اللّعب التّي يقومون ببثّ اشهاراتها بين جزئيْ الحلقة، هكذا قال له والده و أخبره بانّه هناك ما أفضل من هذه السّلع الرّخيصة، الآنيمي Anime، منذ ذلك اليوم يضع والده في حاسوبه الخاصّ كلّ أسبوع حلقة الّتي يترجمها له شخصيّا للعربيّة، لقد غرست فيه الآنيمي أشياء كثيرة عن معاني الصّداقة، الوفاء، الخير، الشرّ، العزيمة .. لذلك كان يُفضّل أن يشاهد القنوات الوثائقيّة عندما يفتح التّلفاز بدل هذه الرّسوم الرّخيصة، لقد تعلّم الكثير من هذه القنوات بالرّغم من أنّه لم يكن يفهم كلّ شيء، كان يحبّ ما يسمّيه الكبار علوما، كان يقوم بتجاربه الصّغيرة وحده، و كانت أمّه تنفعل عنما يكسر شيئا أو يلطّخ نفسه، هي دائمة الانفعال على كلّ حال، لكنّ التجارب كانت أهمّ و تستحقّ العناء ..
جاء جدّه بعد انتظار ليس بطويل و معه أمّه، هرول نحوها و ارتمى في حضنها، هو لم يتعوّد الابتعاد عنها، رفعته عاليا و ضمّته بكلّ حنان، رآها تبكي، هي أيضا لا تحتمل بُعده عنها فهو كلّ شيء في حياتها، ثمّ حملته و جلسوا فالصّالون، بقي يستمع لحوارهم، أمّه لا تعرف الكثير أيضا، فقط قالت أنّهم أخبروها في المصحّة بأنّها أجرت عمليّة على كُلْيَتِها، هي الثّانية فالاولى قد اُنتُزعت منذ ثلاث سنوات، و أنّ المتبرّع مجهول، أمّا العمليّة فقد تكفّل زوجها بدفع تكاليفها هي و الاقامة و العلاج، زوجها الّذي لا تعرف أين هو الآن، ربّما كان فالمنزل كعادته فهي هَرعت الى هنا لرؤية قرّة عينها أوّلا ..
أوصلهم جدّه الى المنزل، هو لم يكن يأتِ الى منزلهم، لا يعرف الصّغير الأسباب، لكنّ أباه كان يحملهم مرّة فالأسبوعين لقضاء نصف يوم في منزل جدّه، دون أن يبقى معهم، وصلوا الى باب الدّار، أنزلهم الجدّ و ذهب في حال سبيله، دلفا الى المنزل الّذي كان مظلما بشكل يبعث على الرّيبة في ذلك الوقت من النّهار، رائحة الرّطوبة تعبق من الحيطان كأنّ البيت لم يُفتح منذ مدّة، نادت أمّه على أبيه لكن لا إجابة، بحثت عنه في أرجاء المنزل لكنّها لم تجده، بقيت غرفة مكتبه الّتي لا يسمح لأحد بدخولها، رأها تقف أمامها لكنّها لا تجرأ على الدّخول، ثمّ تمدّ يدها نحو المزلج ..














EoF.

الجمعة، 13 أبريل 2012

العالم الافضل ..

[مؤثّرات صوتيّة]
The Hot Gates by Tyler Bates on Grooveshark

--------------------
استيقظ صباحا على صوت المنبّه، عيناه منتفختان فنومه لم يكن الاّ لساعتين، فقد قضّى ليلته يدردش في المواقع الاجتماعيّة، و اليوم لديه امتحان، اذا لا بدّ من الذّهاب.
ارتدى ملابسه على عجل، ألقى نظرة سريعة على هندامه و حافظة نقوده ليتأكّد من وجود سعر السّجائر، و خرج مسرعا يحثّ الخطى في اتّجاه محطّة الحافلة المكتظّة، وجوه بائسة لا حياة فيها، نظرات خاوية، أشعل آخر سيجارة بقيت له من الأمس، استنشق مع دخانها الجوّ الكئيب المحيط به، و هو يتأمّل فالطريق الّذي تأتي منه الحافلة، كم يكره هذه الحافلة، يكره مجيئها و ذهابها، يكره صاعديها و نازيليها، يكره هذه الوجوه المحيطة به، يكره عندما حيّاه ابن "حومته" بصفعة على قفاه "مازحا" كادت رقبته أن تنخلع لها، و لم يكتفي بذلك بل و أطلق معها ضحكة ساديّة، و بدأ يتحدّث معه عن دربي العاصمة، و عن الحكم الذي ... و .. و ..، لم يكن يستمع اليه فكلامه لا يهمّه، هو من يدرس الفلسفة و يقرأ لأفلاطون و ديكارت، و فجأة التمعت في ذهنه فكرة عندما تحدّث الآخر عن الطّقس الذي بدأ يسخن و موسم البحر القادم، قرّر أن يذهب الى البحر، فهو في جميع الحالات لم يدرس للامتحان
ألقى تحيّة سريعة على ذلك الشّخص، و اتّجه نحو البحر الذي لا يبعد سوى كيلومترات قلال، اشترى السّجائر في الطّريق، بالرّغم من انّه يكره هذه النّوعيّة، لكن ما باليد حيلة، وصل الى الشّاطئ الفارغ، اختار مكانا ظليلا و جلس، أشعل سيجارته، أخذ نفسا عميقا، و أخرجه أعمق، يحمل هموم البشريّة جمعاء ..
آلاف التساؤلات في رأسه..
لما بقوم البشريّ منّا بهذا ؟
ينام متأخّرا ليرغم نفسه على الاستيقاظ باكرا..
يدخّن ليشتكي من آلام صدره فيما بعد..
يقترض الدينار و الاثنين ليشتري بها سجائر مكتوب عليها انّها تصيب بالسّرطان .. هل سيقرضه أحد ما لمداواة السّرطان ؟
ينفث الدّخان في وجه الآخرين، و يكره نظراتهم عندما يقوم بذلك..
ينعت من يعرفهم بشتّى الالقاب المخزية، و يكره من يقوم بنعته..
يعتدي هو و ابناء حيّه على ذلك الفتى الضّغيف و يأخذون ماله، و يضحكون ملئ أشداقهم .. ماذا لو انقلبت الادوار ؟
يدمّر جسده بشتّى انواع الشّراب و المخدّرات، بحثا عن حلول لمشاكل لا توجد أصلا الا في ذهنه..
لا يدرس ثمّ يتذمّر من الاساتذة..
لا يفشي السّلام و لا يبتسم في وجه الآخر ثمّ يكره نظراتهم الخاوية..
يحبّ الشّخص الخطأ او هكذا صُوّر له ثمّ يلعن الحبّ و يُعلن انّ الرّجال/النّساء كلّهم سواء ليدخل في علاقة أخرى بعد اسبوعين..
يجعل من الآخر عدوّه ثمّ يقول انّ الجحيم هم الآخر..
ماذا لو أحبّ كلّ منّا لاخيه ما يحبّه لنفسه ؟ ماذا لو ..

انتهت سجائره و احترق مخّه مع تلك اللفّائف في التفكير في كلّ هذه المفارقات
عالم يُنشد الافضل، لكنّه لا يسعى للأفضل
عالم يعرف الافضل، لكنّه لا يفعل ما يراه الافضل

ثمّ من يحدّد الافضل ؟ 

لكنّ الاجابة على هذا السّؤال تستلزم منه علبة سجائر أخرى ..














EoF.